جريدة الشعب الجزائرية : فتح قنصليات بالأراضي الصحراوية المحتلة مخالف للقرارات الأممية

تتوقف «الشعب « اليوم مع السيد فؤاد جدو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر ببسكرة، عند الخطوة التي قطعتها دولة غامبيا مؤخرا بفتحها قنصلية بمدينة الداخلة الصحراوية المحتلة وذلك بعد أسابيع من قرار مماثل اتخذته جمهورية جزر القمر.الأستاذ فؤاد جدو اعتبر ما أقدمت عليه الدولتان الافريقيتان منافيا لقرارات الأمم المتحدة التي تعتبر الصحراء الغربية إقليما محتلاّ تنطبق عليه لوائح تقرير المصير، وأيضا لمبادئ الاتحاد الإفريقي التي ترتكز على احترام سيادة الدول وحدودها الموروثة عن الاستعمار ودعم حق الشعوب في الحرية والاستقلال، وهذا ما تجمع عليه كل الدول الإفريقية في الميثاق المؤسس لمنتظمها القاري الذي يلزمها باحترام مبادئه حتى وإن لم تعترف بالجمهورية الصحراوية. « الشعب» بعد جزر القمر، فتحت غامبيا قنصلية بمدينة الداخلة الصحراوية المحتلة، ما هي قراءتكم لهذه الخطة التي تتنافى وقرارات الأمم المتحدة، التي تعتبر الإقليم الصحراوي محتلا وتنطبق عليه لوائح تقرير المصير؟الأستاذ فؤاد جدو: بالنسبة للخطوة التي أقدمت عليها غامبيا من خلال فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة المحتلة، فإن هذا الأمر لا يتماشى تماما مع قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار، وبالتالي لا يمكن أن تتصرف أي جهة في هذا الإقليم بما فيه المحتل المغربي، وهذه الخطوة تأتي في سياق فرض أمر واقع من طرف المغرب على الأراضي الصحراوية وجعلها جزءا من الواقع السياسي والاقتصادي، خاصة أن المغرب يعتمد على بناء علاقات اقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي في ما يخص الصيد البحري في شواطئ الصحراء الغربية وهذا يتنافى أيضا مع قرارات المحكمة الأوروبية وأيضا مسألة تصدير الفوسفات الصحراوي، وبالتالي يتجه المغرب إلى فرض أمر الواقع حتى ولوكانت ضد القرارات الدولية والأممية التي تعمل على حماية حقوق الشعب الصحراوي.- ألا تتناقض هذه الخطوة مع الميثاق التأسيسي للاتحاد الافريقي الذي يعتبر الجمهورية الصحراوية عضوا مؤسّسا فيه؟ بالنسبة لمسألة تناقض خطوة إنشاء قنصليات على الأراضي الصحراوية المحتلة فهذه من حيث التفسيرات القانونية هناك من يرى بأن هذا الأمر لا يتناقض مع القانون الدولي خاصة من طرف الدول التي لا تعترف بالجمهورية الصحراوية وهذا لا يلزمها بالتعامل معها في إطار ميثاق الأمم المتحدة، ومن جهة أخرى يرى العديد من أصحاب القانون الدولي بأن من مبادئ الاتحاد الإفريقي احترام سيادة الدول وحدودها الموروثة عن الاستعمار ودعم حق الشعوب في تقرير المصير وهذا ما تجمع عليه كل الدول الإفريقية في ميثاقها المؤسس للاتحاد الإفريقي، وبالتالي نجد أن هذه الدول الإفريقية تتناقض تصرفاتها مع ما اتفقت عليه وفق مبادئ الاتحاد الإفريقي بل يجعلها ملزمة بهذه المبادئ حتى وإن لم تعترف بالجمهورية الصحراوية.- ألا يملك الاتحاد الإفريقي صلاحيات لمواجهة هذه الخطوة؟ لا توجد قوانين أومواد تنصّ على التصرف تجاه هذه الحالات، وبالتالي فالاتحاد الإفريقي لا يمكنه أن يفعل شيئا قانونيا أورسميا تجاه المغرب أوالدول التي تقوم بإقامة قنصليات على الأراضي المحتلة الصحراوية، ولكن تبقى الآليات الدبلوماسية كأداة للضغط على المغرب والدول الموالية له للحد من هذه التصرفات التي تمس بحقوق الشعب الصحراوي.- بدأ يتجلى واضحا أن عودة انضمام المغرب للمنتظم القاري هدفه إحداث اختراق وسط بلدانه واستمالتها إما لفتح تمثيليات في الأراضي الصحراوية المحتلة، أولسحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية، ما قولكم؟ أدرك المغرب أن سياسة الكرسي الشاغر التي انتهجها منذ ثمانينيات القرن الماضي لم تأت بنتائج إيجابية بل بالعكس حيث فقد الكثير، ولهذا أدرك أنه يتوجّب عليه العودة للاتحاد الإفريقي لأهمية البعد الإفريقي في سياسته الخارجية وحتى لاقتصاده، وهذا ما جعله يعود للمنتظم القاري ولا يرى مشكلا في أن يكون إلى جنب ممثلي الجمهورية الصحراوية ما دام أنه ينتهج دبلوماسية اقتصادية ناعمة لجذب العديد من الدول الإفريقية عبر اتفاقيات اقتصادية، أومن خلال تقوية الدول الإفريقية الموالية له داخل الاتحاد الإفريقي، وبالتالي عودة المغرب للاتحاد فيها الكثير من الإيجابيات ونقاط القوة له.- ما هي الأساليب التي يستعملها الاحتلال المغربي للإيقاع بالدول الإفريقية في شباكه وجعلها تسير وراء نزعته الاحتلالية والقفز على الشرعية؟ المغرب أدرك خاصة مع بداية القرن 21، أن استمالة الدول الافريقية وحتى الأوروبية لصفّه يتم عن طريق القوة الناعمة خاصة في عالم تحكمه المصلحة الدائمة، إلى جانب اعتماده على فرنسا في الضغط على الدول الإفريقية لتقبل أطروحته تجاه القضية الصحراوية، هاتان النقطتان هما المنطلق الذي تقوم عليه استراتيجية المغرب تجاه القضية الصحراوية، فنجده استطاع أن يتوغل في الاقتصاد الإفريقي عن طريق النقل خاصة أن الخطوط الملكية تربط إفريقيا بمطارتها نحو وجهات دولية عديدة، وهذا معطى أساسي، بالإضافة إلى شبكة البنوك المغربية التي انتشرت في إفريقيا خاصة غرب إفريقيا مما سمح بتدفق العديد من الاستثمارات والقروض للدول الإفريقية التي تعاني من صعوبات اقتصادية خاصة أن المغرب يلقى الدعم الاقتصادي من دول الخليج العربي وفرنسا، وبالتالي نجد أن المغرب استطاع أن ينفذ لأهم الدول في إفريقيا عبر بوابة الاقتصاد وأيضا الضغط الفرنسي وبالتالي نجد شبكة من المصالح تصب كلها في صالح المغرب وأطروحته تجاه القضية الصحراوية.ثلاثة طرق لتقرير المصير- ما السبيل أمام الصحراويين وقيادتهم لمواجهة مثل هذه الانتهاكات، هل هناك إجراءات قانونية يمكن اعتمادها، أم المواجهة تكون بالمقاومة والصمود والتحدي؟ أمام الصحراويين ثلاثة طرق لتحقيق استقلالهم، الطريق الأول، هو التمسك بالحل الأممي والذي ينصّ على المفاوضات وإجراء استفتاء لتحقيق المصير وهذا الطريق عرف تماطلا من المغرب بدعم فرنسي لتحويله لقضية حكم ذاتي وربما سيأخذ وقتا طويلا، الطريق الثاني، وهوالعمل المسلح والعودة لحمل السلاح، والطريق الثالث والذي أعتقده الأنسب في الوقت الراهن، هو التحرك الصحراوي نحو استغلال الأراضي المحررة لبناء فعلي لهيئات وأجهزة الدولة الصحراوية من خلال استخدام نفس القوة والآليات التي يعتمدها المغرب والمتمثلة أساسا في الإعلام، خاصة الإعلام الجديد للتعريف بالقضية والصحراوية وكسب الدعم الدولي وكشف قضايا انتهاك حقوق الإنسان والإعلام التقليدي والسينمائي والاعتماد على التحرك الدبلوماسي الذي يقوم على المصلحة الاقتصادية والتي تدفع إلى بناء شراكات اقتصادية في المجالات البحرية مع الدول التي تؤيد القضية الصحراوية، وإقامة منشآت اقتصادية بالأراضي المحررة، وتعزيز التبادل التجاري مع الدول الإفريقية خاصة التي تعترف بالجمهورية الصحراوية وحتى الدول الاقتصادية في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وبالتالي استخدام المصلحة المتبادلة بين الجمهورية الصحراوية والدول التي تعترف بها، والتحرك الدبلوماسي لابد أن يكون مدعوما بمكاسب اقتصادية تعود بالنفع على الشعب الصحراوي وقضيته واستغلال ثرواته والتحرك على مستوى الدبلوماسية الإنسانية والتي تعمل على كشف انتهاكات المغرب لحقوق الانسان التي ينتهجها تجاه السكان الصحراويين وبالتالي المسألة تحتاج إلى جهد منظم ومكثف وعملي على مستويات اقتصادية وثقافية وإعلامية ودبلوماسية.- دخل مسار السلام في الصحراء الغربية حالة من الجمود، والمستفيد هو المغرب، كيف السبيل إلى إعادة تحريكه، ولماذا تتجاهل الأمم المتحدة هذه القضية وتتأخر عن تعيين مبعوث أممي جديد بعد كوهلر المستقيل؟ بالنسبة لمسار التسوية الأممية، طبعا كما قلت الأمر لا يزال طويلا، بل يعتبر الممر الآمن للمغرب خاصة أن فرنسا تؤيد الطرح المغربي، وهذا جعل تحرك القضية الصحراوية عبر الأمم المتحدة يفقد معناه في ظل تعيين مبعوث أممي في كل مرة يقف أمام تعنت المغرب ورفضه فكرة تقرير المصير من أصله، وبالتالي الأمم المتحدة منذ بداية المسار الأممي لم تستطع أن تفعل شيئا أكثر من تمديد تواجد بعثة «المينورسو» وبالتالي المسار الأممي لم يعد يعطي دافعية في ظل وجود دعم فرنسي يمكنه أن يستخدم حق الفيتو تجاه أي قرار يدين المغرب أويطرح مشروعا ضد فكرة المغرب التي تقوم على الحكم الذاتي وليس الاستفتاء لتقرير المصير، فعودة المسار الأممي يقوم على تحييد الدور الفرنسي أوالضغط على فرنسا وإلا فإن أي مبعوث لن يغير شيئا في المسار الأممي.تفعيل الدور الإعلامي – في ظل التوتر الذي يسود المنطقة بفعل الأزمة الليبية والتصعيد الإرهابي في الساحل هل هناك إمكانية للتفكير في حل القضية الصحراوية أم أن الانشغال عنها سيطول أكثر؟  بالنسبة للقضية الصحراوية لها مساقها الخاص، فهي تختلف عن مشاكل الساحل الإفريقي والأزمة الليبية، لأن التهديدات الأمنية القائمة تجعل التحرك الدولي يكون تجاه القضايا ذات تحرك سريع مثل الأزمة الليبية، في المقابل تعتبر القضية الصحراوية ذات بعد سياسي وتحتاج لعمل دبلوماسي طويل ولهذا لا تعتبر أولوية بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية لأنها ليست مصدر تهديد آني بالنسبة لهم.- كلمة أخيرة القضية الصحراوية تعتبر قضية تصفية استعمار تتطلب رؤية غير تقليدية لمواجهة أساليب الاستعمار المغربي الذي يرتكز على القوة الناعمة والعامل الاقتصادي وتحالفات مع قوى استعمارية كفرنسا والمصالح الاقتصادية مع دول إفريقيا الغربية خاصة، وبالتالي يتوجب على جبهة البوليساريو أن تكيف قضيتها مع التحولات الدولية والاقتصادية الراهنة وتفعيل الدور الإعلامي لكسب رهان الاستقلال وتقرير المصير