الاتحاد الأوروبي ونهب الثروات الطبيعية في الصحراء الغربية …ازدواجية المعايير والتناقض مع الذات.

قراءة في الحكم الأخير للمحكمة الأوروبية بخصوص المنتوجات التي مصدرها المستوطنات الإسرائيلية الصادر يوم 12 نوفمبر 2019.

في هذا القرار المحكمة الأوروبية تستشهد بمقتضيات من أحكام أصدرتها سابقا في الفترة من 2015 الى 2018 بخصوص تورط الاتحاد الأوروبي في نهب الثروات الصحراوية من خلال اتفاقيات الصيد والتجارة مع المغرب، مما يؤكد أن تلك القرارات أصبحت تشكل فقه قانوني تعتبر مصدر للتشريع والاحكام القانونية في الحالات المشابهة لها قانونيا حيث وضعيات الاحتلال وتصفية الاستعمار في الأقاليم المحتلة.

مجددا تجد دول الاتحاد الأوروبي وبالأخص فرنسا واسبانيا يوما بعد يوم نفسها في تناقض مع ذاتها فيما يتعلق بنهب الثروات الطبيعية من الصحراء الغربية المحتلة، وذلك نتيجة القرارات المتلاحقة من قبل محكمة العدل للاتحاد الأوروبي، والتي كان آخرها القرار الصادر يوم 12 نوفمبر 2019 بخصوص وضع بلد المنشأ على المنتجات الغذائية التي مصدرها المناطق التي تحتلها إسرائيل باعتبار أن إسرائيل متواجدة في تلك المناطق “كقوة احتلال وليست لديها سيادة عليها”.

ويعيد القرار الى الواجهة المقاربة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي تجاه استغلال الثروات الطبيعية في الجزء الخاضع للاحتلال المغربي من الصحراء الغربية. ففي الحين الذي توضح قرارات المحكمة الأوروبية عدم شرعية التعامل الاقتصادي مع إسرائيل وتخضع جميع الدول لتلك القرارات، يتمادى في تجاهل قرارات محكمته رغم وضوح قراراتها فيما يتعلق بالصحراء الغربية المحتلة من قبل المغرب.

وعلى الرغم من أن ذات الوضع ينطبق على الصحراء الغربية بصفتها آخر مستعمرة في افريقيا وعلى المغرب بصفته قوة احتلال كما تم تأكيد ذلك في قرارات المحكمة الأوروبية 2015، 2016 و2018 والتي أكدت جميعها على الوضع “المتميز والمنفصل” للصحراء الغربية، إلا أن الاتحاد الأوروبي بتأثير مباشر من فرنسا واسبانيا يتمادى في دعمه للاحتلال المغربي في تجاهل تام لقرارات محكمته. وفي المقابل، يسارع الى احترام القرارات المتعلقة بالمناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي. وهو ما يؤكد سياسة ازدواجية المعايير التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي الذي يتعامل مع وضعين متشابهين قانونيا وسياسيا بطرق مختلفة بل متباينة. ففي الوقت الذي يحترم فيه قرارات محكمته المتعلقة بالمستوطنات الإسرائيلية فإنه يذهب بعيدا في حالة الصحراء الغربية الى درجة تجاهل الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي وشرعنة الاستيطان من خلال التشاور مع مكونات انتجها الاحتلال المغربي لخدمة اجندته في المنطقة و هو أكبر تنكر للسيادة الدائمة لللشعب الصحراوي على ثرواته الطبيعية.

وتستند محكمة الاتحاد الأوروبي في قرارها بخصوص المنتوجات التي مصدرها المستوطنات الإسرائيلية الى مقتضيات أحكامها السابقة بخصوص استغلال الثروات الصحراوية من خلال اتفاقيتي الصيد والزراعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، حيث يشير القرار الصادر يوم 12 نوفمبر 2019 في تفسيره لمفهومي الإقليم والدولة في الفقرات 29، 30 و31 الى أحكام المحكمة الأوروبية بخصوص الصحراء الغربية لسنتي 2016 و2018. وهو ما يؤكد على أن الوضع في الصحراء الغربية واضح من الناحية القانونية ويشكل مثال يحتذى فيما يخص بالحالات المشابهة للأقاليم الخاضعة لمبدأ تصفية الاستعمار وحق تقرير المصير و إشار إيجابية بخصوص الطعون المقدم من قبل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب ،خلال هذه السنة ، ضد تجديد إتفاقيتي الصيد البحري والزراعة.

وعلى الرغم من ذلك، لا يجد الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه كل من فرنسا واسبانيا حرجا في تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب لتتضمن الجزء المحتل من الصحراء الغربية على الرغم من تناقض ذلك مع قرارات المحكمة الأوروبية السابقة التي أكدت جميعها على الوضع “المتميز والمنفصل” للصحراء الغربية عن المملكة المغربية، بل إنها في ذلك تتناقض حتى مع نفسها والدليل نص القرار الذي صادق عليه المجلس الأوروبي بتاريخ 4 مارس 2019 والذي يتضمن بشكل واضح تحديد الوضع القانوني والسياسي للصحراء الغربية كإقليم خاضع لتصفية الاستعمار، والوضع القانوني والسياسي للمغرب كقوة احتلال لا سيادة لها على الإقليم. والغريب هو أن المغرب في اجتماع مجلس الوزراء برئاسة ملكه يوم 4 يونيو 2019 صادق على مقتضيات ذلك القرار من خلال تصديقه على اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي في حين أن نص هذا الاتفاق يلزم المغرب بالاعتراف بنفسه على عدم امتلاكه أية سيادة على إقليم الصحراء الغربية.

ففي الفقرة 4 من ذلك القرار يرد ما يلي: “جدد الاتحاد باستمرار التأكيد على التزامه بتسوية النزاع في الصحراء الغربية، التي تدرجها الأمم المتحدة حاليًا على أنها إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي”، إذن فالاتحاد الأوروبي والمغرب قد اعترافا بكل اختيار بالوضعية القانونية للصحراء الغربية كأخر مستعمرة في افريقيا.

كما يؤكد ذات القرار على الوضع المنفصل والمتميز لإقليم الصحراء الغربية عن المملكة المغربية وهو ما سبق ان أكدته جميع القرارات الصادرة عن المحكمة الأوروبية منذ 2015 على اعتبار الإقليم مسجل لدى الأمم المتحدة كحالة استعمار وأن المغرب ليست له أية سيادة عليه. إذ يرد في الفقرة 5 من القرار المذكور “نطاق تنفيذ الاتفاق يجب تحديده بأن يتضمن المياه المتاخمة لإقليم الصحراء الغربية”، وهذا هو جوهر الاتفاق، بالحرف الواحد “أن يتضمن المياه المتاخمة للصحراء الغربية”. وبمصادقته على هذه الجملة يعترف المغرب قانونيا بأن ليست له سيادة في الصحراء الغربية، وبالتالي فهو بحاجة الى إدراجها. وبذلك يجد المغرب نفسه في موقف محرج بل في طريق مسدود لدعايته المغردة التي لا يصدقها إلا هو وحده.

فكيف بإمكان للاتحاد الأوروبي والمغرب بعد كل ما تم ذكرناه آنفا أن يتماديا في تجديد اتفاقية الصيد البحري بينهما وتضمينها الجزء المحتل من الصحراء الغربية؟

ملاحظة:

في الرابط التالي تجدون قرار المحكمة الأوروبية بخصوص وسم المنتجات التي مصدرها المستوطنات الاسرائلية: http://curia.europa.eu/juris/document/document.jsf?text=&docid=220534&pageIndex=0&doclang=en&mode=req&dir=&occ=first&part=1&cid=1466694

وفي المرفق ترجمة لبيان الجبهة الصادر في أعقاب مصادقة مجلس الوزراء المغربي برئاسة ملكه يوم 4 يونيو 2019 على اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي في حين أن نص هذا الاتفاق يلزم المغرب بالاعتراف بنفسه على عدم امتلاكه أية سيادة على إقليم الصحراء الغربية

محمد لمام محمد عالي
ممثل البوليساريو بالدنمارك