المغرب ومعاهدة إيكس ليبان بعد 54 سنة من النهاية الصورية للحماية على المملكة.

بقلم: محمد سالم أحمد لعبيد

كنا دائما نقول أن احتلال المغرب للصحراء الغربية وتحرشه بجارته الجزائر منذ استقلالها حتى اليوم وسياسته التوسعية التي تطير أحيانا لتصل موريتانيا، ومشاكل المغرب عامة الداخلية والخارجية أصلها أنها نابعة من عدم سيادة المغرب على المغرب نفسه، وهو ما أشرنا إليه في عديد المقالات السابقة، وعلى هذا الأساس نسمي دائما المغرب بالمغرب الفرنسي.

ما حدث لسفير المغرب بفرنسا ورئيس ما يسمى باللجنة الخاصة بالنموذج التنموي السيد شكيب بنموسى، لا يغدو عن فعل بسيط جدا يحاول البعض الآن استغلاله لضرب بنموسى ومحاولات إظهار سيادة للمغرب لم تكن له على الاطلاق، لأن جميع قرارات المغرب التي كان لزاما أن تكون سيادية سواء كانت في سياسته الخارجية أو الداخلية، ذات طابع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، من الضرورى أن تحظى بمواقفة فرنسا لدرجة أن الساسة الفرنسيين يتعاملون مع المغرب كالمنطقة 23 في إطار التقسيم الاداري لفرنسا داخليا، لأن لفرنسا أيضا 5 مناطق خارج أراضيها تتوزع حول العالم، نص عليها دستور عام 1946 بالجمهورية الفرنسية الرابعة، وتعد جزءًا من الاتحاد الأوروبي وفرنسا منها: الجزر البولينيزية الفرنسية، واليس وفوتونا، مايوت، سان-بيير-إيه-ميكلون، والأراضي القطبية الجنوبية الفرنسية إلى جانب ومقاطعة ذات وضع خاص: كاليدونيا الجديدة
فعلى المغاربة أن يقتنعوا أن بلدهم ليس لهم على الاطلاق انطلاقا من اتفاقية إيكس ليبان، وما فعل شكيب بنموسى يندرج تماما في إطار ما دأب المغرب على فعله مع فرنسا في أي قرار، فالملك والحكومة والأمن ورجال الأعمال ووووو… كل شيء في المغرب وخارج المغرب وكل ما للمغرب علاقة به يتم بقرارات من الإليزي، الغريب هو خروج البعض اليوم مزايدا وكأنه لا يعرف الوقائع ليتطاول على بنموسى.

فكما هو معلوم قبل نهاية الحماية الفرنسية على المغرب صوريا، وبالضبط خلال الأيام من 22 إلى 27 أغسطس 1955 عقد اجتماع إيكس-ليبان، فمدينة إيكس-ليبان Aix-les-bains الفرنسية التي تقع على الضفة الشرقية لبحيرة لابورجي، بين وفد فرنسي برآسة السيد أنطوان بيني وزير الخارجية يرافقه السيد بيرجولي المكلف بالشؤون المغربية ووفد يمثل ملك المغرب ضم 37 شخصية من بينها وفد عن حزب الاستقلال ووفد عن حزب الشورى ووفد من كبار السلطة في مقدمتهم الباشا التهامي الكلاوي.

نتائج هذا الاجتماع وقع عليها ملك المغرب محمد الخامس بباريس في أكتوبر 1955 قادما من منفاه الارادي خوفا من المقاومة المغربية التي كانت تعتبره راعيا لمصالح فرنسا بالمغرب، ثم شارك في اجتماع سانكلود في 6 نوفمبر 1955 ليعود بعد التحكم في الأوضاع الداخلية للمغرب في 16 نوفمبر 1955 إلى المغرب.

والهدف من اتفاقيات إيكس-ليبان هو:
— وقف المقاومة المسلحة ضد التواجد الفرنسي بالمغرب.
— بناء نظام بالمغرب يضمن تحكم فرنسا في كل شاردة وواردة وفي كافة المجالات.
— تأمين نظام اقتصادي فرنسي بالمغرب يجعل كل الاتفاقيات والمعاهدات والعقود مع الأجانب تمر عبر فرنسيين وتحت مراقبتهم
التعاون من أجل إفشال الثورة المسلحة بالجزائر بقيادة جبهة التحرير الوطني.

ولعل بيان المقاوم عبد لكريم الخطابي كان واضحا وصريحا في هذا الشأن كونه اعتبر هو والمقاومين المغاربة تلك المفاوضات مؤامرة ضد المغاربة حاكها الفرنسيون وعملاؤهم، بل واتهموا المفاوضين المغاربة بالخيانة والاستهانة بكفاح الشعب المغربي من أجل الاستقلال التام.

وجاء في بيان المقاوم عبد الكريم االخطابي: “أيها الشعب في المغرب العربي، هذه الجماعة قد باعت الكرامة والشرف والوطن وسلمت البلاد لطائفة قليلة من المستعمرين بثمن بخس هو تلك المناصب الزائفة الحقيرة… إن الشعب الفرنسي ليس في نيته أن يحارب مرة أخرى ليخلق هندا صينية جديدة في شمال إفريقيا. وقد اقتدت جماعة الرباط بجماعة تونس المستسلمة فأبرزت اتفاقية إيكس-ليبان إلى حيز العمل والتنفيذ، وأخذت تدلس وتغري عرب المغرب بالكلام المعسول؛ وهي سائرة في نفس طريق اتفاقية تونس، وستطالب المناضلين بإلقاء السلاح، بعدما طلبت منهم الهدوء بحجة أن المفاوضة لا تكون إلا في الهدوء، والهدوء لا يكون إلا بإلقاء السلاح لهذه الجماعة <<الرباطية>> الجالسة على عرشها”.

تفاصيل اتفاقيات إيكس-ليبان حددت بوضوح خلال الاعلان المشترك والبروتوكول المحلق به في 2 مارس 1956 والموقع بين حكومة الجمهورية الفرنسية وسلطان المغرب محمد السادس والذي بموجبه تتنازل فرنسا على قسط صغير من الثروات التي تسرقها من المغرب لصالح البورجوازية التي نشأت في حضنها بالبلد كي تستطيع تأمين الجزء الأكبر، وستسهر على بناء نظام سياسي على مقاسها إلى اليوم مازال يقوم بهذا الدور.

وجاء في الاعلان المشترك أيضا أن السلطة التشريعية يمارسها السلطان وأن مفاوضات ستجمع في باريس بين المغرب وفرنسا هدفها توقيع اتفاقيات جديدة لتنظيم العلاقات بين البلدين في مجالات المصلحة المشتركة أساسا: الدفاع، العلاقات الخارجية، الاقتصادية، والثقافية، والتي تضمن حقوق وحريات الفرنسيين المقيمين في المغرب.

كما نص الإعلان المشترك على أنه وخلال الفترة الانتقالية وفي انتظار توقيع الاتفاقيات الجديدة بين الطرفين وبناء المؤسسات الجديدة، لن يتم المس بوضعية الجيش الفرنسي، وأن الجيش الذي سيتوفر عليه سلطان المغرب سيتم تشكيله برعاية فرنسية.

أما الفقرة الأولى من البروتوكول الملحق ففرض من خلالها الاطلاع على جميع مشاريع الظهائر والمراسيم من طرف ممثل فرنسا بالمغرب لأجل وضع ملاحظاته على النصوص لما يتعلق الأمر بالمس بمصالح فرنسا والفرنسيين أو الأجانب؛ وحسب ذات البروتوكول أرسل رئيس الحكومة المغربية الذي نصبته فرنسا رسالة إلى المقيم العام الفرنسي رسالة يطلب فيها من فرنسا الاستمرار في تسيير العلاقات الخارجية للمغرب وتمثيل وحماية المواطنين المغاربة ومصالحهم في الخارج وحث الاتفاق على إجراءات جديدة هي التي رسمت معالم المملكة المغربية بالصورة التي تسير بها اليوم فقط حل السفير الفرنسي بالرباط محل المقيم العام السابق.

وفرنسا الآن هي الحاكم الفعلي للمغرب وهي أول من يطلع على القرارات، وأول من يطلع حتى على خطب الملك، وأول من يطلع على مشاريع المغرب ومشاريع علاقاته وتحركاته جهويا وإقليميا ودوليا، وأول من يطلع على مسار الانتخابات ويحدد خططها ومراميها، ويكفي أنها من يتابع ملف الصحراء الغربية بشكل مباشر ويحدد خطواته، وهي من طرح فكرة الحكم الذاتي وصادقت عليه قبل أي مغربي آخر مهما كانت سلطته ومكانته، وفرنسا هي من تحدد طبيعة العلاقات مع الجزائر ومع الاتحاد الأفريقي ومع تآمر بالمواقف التي على المغرب اتخاذها في الشأن الداخلي والخارجي.

N°(04)